الكاتب الكبير أشرف البربري يكتب «المشكلة ليست فى الأطباء»
2020-07-10 23:26:29
2020-06-25 00:00:00
فى الوقت الذى طلبت الحكومة على أغلب أفراد الأطقم الطبية فى مصر خوض المعركة ضد وباء كورونا وهم شبه مجردين من أغلب الأسلحة سواء المطلوبة للدفاع عن أنفسهم ممثلة فى مستلزمات الوقاية من الفيروس والتأمين على أرواحهم، أو حتى المطلوبة لإنقاذ المرضى ممثلة فى الأعداد الكافية من أسرة الرعاية المركزة وأجهزة التنفس الصناعى، خرج رئيس الوزراء ليقول إن غياب بعض أفراد الأطقم الطبية عن العمل ساهم فى زيادة أعداد ضحايا فيروس كورونا.
المشكلة ليست فى اتهام رئيس الوزراء لبعض أفراد الأطقم الطبية بالتقاعس أو حتى بالإهمال، وإنما فى منطق تفكير الحكومات المصرية على مر العصور والبحث دائما عن كبش فداء لقصورها. فبدلا من أن تعترف الحكومة بأن السنوات الماضية شهدت خللا كبيرا فى أولويات الإنفاق عندما اندفعت نحو بناء أكبر مسجد وأكبر كنيسة وأطول كوبرى وأعلى برج ، وتجاهلت كل الأصوات التى طالبت بالاهتمام بالبشر ممثلا فى الصحة والتعليم، خرجت الحكومة لتتهم أفراد الأطقم الطبية الذين سقط منهم عشراء الشهداء وآلاف المصابين أثناء عملهم فى مواجهة الوباء.
فهل وجود كل أفراد الأطقم الطبية فى المستشفيات، على فرض أن ما قاله رئيس الوزراء صحيح، وأن بعضهم يتغيب، كان سيغنى المريض عن غياب جهاز التنفس الصناعى أو سرير الرعاية المركزة؟ أم أنه كان سيضع أفراد الأطقم الطبية أمام ثورة غضب أهل المريض التى سرعان ما تتحول إلى اعتداء على العاملين فى المستشفيات والذين لا تتوفر لهم الحماية الحقيقية فى هذه الأحوال؟
أغلب الحالات التى عايشتها بشكل شخصى وعايشها كثيرون لم تجد مشكلة فى أفراد الأطقم الطبية فى المستشفيات لكنها واجهت مأساة فى العثور على سرير الرعاية المركزة المطلوب لإنقاذ حياة المريض، وواجهت مشكلة فى تحليل فيروس كورونا الذى كان يحتاج إلى معجزة لإجرائه ثم معجزة أكبر لكى تظهر نتيجته فى الوقت المناسب. ففى بعض الحالات احتاج المريض إلى الانتظار لما بين 5 و9 أيام للحصول على النتيجة وفقا لمعايشيتى الشخصية. فهل غياب أفراد الأطقم الطبية هو السبب فى تأخير التحليل للمرضى أم قصور المنظومة الصحية وعدم تحرك الحكومة لتوفير الإمكانيات اللازمة لإجراء أكبر عدد ممكن من التحاليل كما فعلت أغلب دول العالم التى نجحت فى احتواء الجائحة بأقل قدر من الخسائر.
ولا يقل أحد إن هذه هى إمكانيات الدولة، لأن مصر ليست فقيرة وإمكانياتها ليست محدودة، وأموال كوبرى واحد من عشرات الكبارى التى يجرى بناؤها حاليا، ربما كانت تكفى لزيادة الطاقة الاستيعابية لمستشفيات علاج كورونا، باعتبارها حالة طوارئ تستلزم إعادة ترتيب أولويات الإنفاق.
للأسف الشديد مادام بعض السادة المسئولين مصرين على البحث عن كبش فداء لأخطائهم بدءا من القول إن ثورة 25 يناير وليس سوء إدارة الملف هى السبب فيما وصلت إليه أزمة سد النهضة الإثيوبى، وحتى القول إن عدم التزام الشعب وليس الإجراءات الحكومية المضطربة وقلة عدد عمليات التحليل لاكتشاف المصابين هو السبب فى زيادة أعداد المصابين بفيروس كورونا، فلا رجاء فى المستقبل. ويزداد الأمر سوءا عندما لا يملك الشعب أدوات محاسبة الحكومة على تقصيرها أو أخطائها، من برلمان قادر على المحاسبة، أو أحزاب تخشى الاتهام بالسعى للوصول إلى السلطة أو حتى إعلام حر لا يتردد ألف مرة قبل أن يتوجه بكلمة انتقاد للسلطة خوفا من العواقب.
المقال منقول عن موقع جريدة الشروق