كتب - أحمد جمعة:
تصوير – كريم أحمد:
جاء صوت أحد الركاب العائدين من دبي منزعجًا: "محدش كشف علينا ولا عبرنا"، بينما كان الدكتور حازم حسين مدير الحجر الصحي بمطار القاهرة بصدد شرح الإجراءات الوقائية المتخذة لمنع تسلل فيروس كورونا المستجد إلى داخل البلاد. صمت قليلا ثم تحدث "من يتم مناظرتهم هم الركاب القادمين من الصين رأسا، أو الطائرات المتواجد بها صينيين (ترانزيت) ويتم إخطارنا بهم، وبالتالي فليس هناك ما يستدعي فحص جميع القادمين من دبي، لأن الحالات المُكتشف إصابتها بكورونا هناك لها صلة مباشرة بالصين".
ومع هذا، فالترقب يُلاحظ داخل مطار القاهرة في أعين العاملين والركاب، كلما مرّ أحد الصينيين، أو أذيع بوصول إحدى الرحلات من بكين، وفي الأخيرة تبدأ دقائق "الطوارئ" بين أفراد الحجر الصحي. يهمون بإعداد التجهيزات الوقائية، ملابسهم المعتادة، ماسك طبي، أجهزة حديثة لقياس الحرارة (ترمومتر حراري)، ثم الوقوف في وجه هؤلاء القادمين وفحصهم، تحسبًا لوجود أعراض أو اشتباه في إصابة بكورونا.
كانت الممرضة عبير أحمد، ترتدي زيها الرسمي الذي اعتادت عليه منذ 26 عاما كاملة فترة عملها بالحجر الصحي. شاهدت خلال هذه السنوات الكثير من أيام القلق، ومعها ازدادت خبرة في التعامل مع تلك المواقف، وعلى عكس بعض العاملين لم يساورها رهَبة، وهيّ التي عايشت الخوف من "سارس" عام 2003، وتفشي الطاعون الهندي مطلع هذه الألفية، ثم متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (كورونا)، مرورًا بانتشار موجتي أنفلونزا الطيور والخنازير خلال السنوات الأخيرة، ومع ذلك يستقر في يقينها أن الوضع مطمئن حتى الآن، وباتخاذ إجراءاتهم الوقائية سيتمكنون -كما فعلوها أول مرة- في منع تسلل "كورونا المستجد".
تحفظ "عبير" مهمتها عن ظهر قلب، هيّ في "كونتر" الوصول بإحدى صالات الاستقبال، وعندما يأذن موعد قدوم إحدى الرحلات يبدأ "تلقائياً" دورها: "لو الطائرة قادمة من الصين أو مُبلغ أن بها صينيين، يخضع جميع الركاب لفحص سريع؛ قياس درجة الحرارة عبر ترمومتر حراري، فإن وصلت إلى 38 درجة أو تجاوزتها يرتدي الماسك الطبي والجوانتي المعقم، ويتم إرساله إلى عيادة الحجر لاستكمال باقي إجراءات الفحص وسؤاله عن حالته، فإن كان يعاني من ارتفاع درجة حرارة ويلازمه ألم (كحة- رشح- سعال – التهاب رئوي – احمرار في العينين) وبعض الإفرازات، يُصبح مشتبهًا في إصابته بكورونا ويتم عزله، وإرساله بسيارة إسعاف إلى أحد مستشفيات الحميات لاستكمال التحاليل وباقي الفحوصات".
منذ إعلان تفشي كورونا لم يشك الحجر الصحي بالمطار إلا في حالة واحدة لسيدة قادمة من الصين، كانت حرارتها مرتفعة فاتخذوا معها إجراءاتهم الوقائية، ومع استمرار الفحوصات استقر يقنهم بسلامتها وغادرت، ويجري متابعتها و"هيّ بخير الآن"، وفق عبير.
يتزامن مع هذه الإجراءات كتابة كارت متابعة للركاب القادمين من الصين على وجه التحديد، وبها بياناته والجهة التي يقصدها، ثم متابعته طوال 14 يومًا لحين الاطمئنان بشكل نهائي بسلامته، كما قال مدير الحجر الصحي بمطار القاهرة.
إلى الجوار، كان الشاب العشريني محمد الخامس يتابع توقيت وصول الرحلات المقبلة. يعمل منذ 3 سنوات بالحجر الصحي لكنه لم يشاهد قبلًا تفشياً وبائياً كحال كورونا المستجد. سألته: "هل تخاف؟"، لم يتردد وأجاب على الفور "المفروض إننا مخافش، دا مكان شغالي والجهة اللي تتصدى لأي وباء داخل البلد.. لو أنا خفت مين هيشتغل؟!".
يرى "الخامس" أن الأزمة الكبرى في كورونا أنه ينتشر عن طريق الهواء والجهاز التنفسي، ليس مثل الملاريا التي تُنقل عن طريق البعوض من الشخص المصاب للسليم، أو الكوليرا التي تتنقل عن طريق الطعام والماء. يُضيف "بنقوم بدورنا، ونتخذ الإجراءات الوقائية مثل الجوانتي والماسك مع ترك مسافة مناسبة بيني وبين أي راكب، بجانب وجود التثقيف الصحي عن هذه النوعية من الأمراض".
دائمًا ما يُسأل محمد عن عمله خاصة هذه الأيام، وبطبيعة الحال فأهله وأصدقائه دائمي الاطمئنان عليه خاصة مع انتشار الكثير من الشائعات عن مصابين أو مُشتبه في إصابتهم بالفيروس، يقول إنه يطمأنهم أنه بخير ويقوم بعمله ويتخذ إجراءات وقايته "كل معارفنا وأهلنا بيسألونا أخباركم ايه، وكله متابع وعارف إننا شغالين في الحجر والمصدر الأول للمواجهة مع المصابين بالفيروس".
مثله في ذلك الدكتورة هدير هشام، والتي تقضي فترة التكليف بالحجر الصحي، التي توضح أن عملها مصدر قلق لأسرتها في الكثير من الأحيان. تضيف "دي أول أزمة أقابلها في المطار، وطبعا أهلي خايفين عليّ، لكننا كأطباء دارسين هذه الأمور وعارفين نتعامل إزاي، وهنا تجهيزات وقائية لحمايتنا، وفاهمين إزاي نتعامل"
في الوردية الواحدة بالحجر الصحي بمطار القاهرة، يعمل بين 40 إلى 50 مراقبًا صحيًا وممرضًا بين صالات الوصول والسفر حسب الاحتياج، ومنذ نحو شهر جرى منع الإجازات للعاملين والأطباء ضمن خطة وزارة الصحة لمنع تسلل كورونا.
خلال الأيام الماضيةـ دائمًا ما جددت وزارة الصحة تأكيدها بأن الوضع في مصر مطمئن وآمن، ولم يتم رصد أي حالات مصابة بالفيروس، خاصة بعد اتخاذ الدولة الإجراءات الوقائية وخطة التأمين الاحترازية لمنع تسلل الوباء إلى داخل البلاد.
يغضب مدير الحجر الصحي بمطار القاهرة، بما يتردد عن التراخي في تطبيق الإجراءات الوقائية لمواجهة كورونا، مثال على ذلك ظهور أحد العائدين من الصين مع الإعلامي شريف عامر هذا الأسبوع، يقول: "من ظهر في البرنامج أكد أنه تم فحصه، وكتابة كارت متابعة لها، لكن سمع عن خروج أحد الركاب دون مناظرته، وهذا غير صحيح". يؤكد أنه ليس بالضرورة تطبيق الحجر الصحي لمدة 14 يومًا على جميع القادمين من الصين طالما كانوا بحالة جيدة وبعيدا عن المناطق الأساسية للوباء، من يُجبر على ذلك من يُشتبه في إصابته بالفيروس، ويتم متابعتهم خلال أسبوعين للاطمئنان عليهم، فضلًا عن فحص أطقم الطائرات والفنيين طوال الوقت.
يوضح الدكتور حازم حسين أن الحجر الصحي في مصر تصدى لأكثر من وباء خلال الأعوام الماضية مروا على دول العالم كوباء الإيبولا، وسارس و الكوليرا والملاريا: "الحجر الصحي صمام الأمان للدولة ضد الأوبئة والأمراض القادمة من الخارج، مررنا بظروف أصعب من ذلك ونجحنا، وسننجح هذه المرة أيضًا".
لا توجد تعليقات