أهم الأخبار

ذاكرة النقابة

الحكايات الأخيرة.. الحب والموت وقصص لم تُرْوَ من قبلُ عن جائحة كورونا (ملف)

2021-02-15 07:00:00 الحكايات الأخيرة.. الحب والموت وقصص لم تُرْوَ من قبلُ عن جائحة كورونا (ملف)

عندما فقدت والدي، كان لموقفنا الأخير ذكراه التي لا أعتقدها ستنسى، المكالمة التي لم تكمل الدقيقتين وكان بينهما التحيات الرتيبة التي يجب أن تتقدم كل مكالماتنا البعيدة، الدموع التي تنهمر في كل مرة تأتي ذكراه في بالي والتي لا تنقطع ربما.. على مدار عام لم يكن يجعلني أبكي بعد تفكير كبير، سوى أنه كان هناك حكايات أخيرة لم يأتِ وقتها لروايتها، ومع فقدانه أصبحت قصصًا لم تُرْوَ.

في عام كورونا، اجتاحت الأزمة المنازل المصرية، من فقدن أزواجهن، قصص البطولة في تربية الأبناء بعد وفاة رب الأسرة الطبيب أو المسن، الأخ أو الصديق.. الانكسار في أعين الرجال الذين ما عادوا يحتضنون زوجاتهن بعد سنوات من المحبة توقفت أنفاس أصحابها بعدما اختار كورونا أحباءهم، القصاصات غير القابلة للحرق في ذكريات تحولت إلى مشاعر في قلوب كل منهم، منها ما كان الفقد هو بطله الرئيسي، أو الأمل الذي يرنو أن يصبح سمة العام الجديد.. وبين مآسي الرواية وآلاف الوفيات الذين حصدت أرواحهم الأزمة بقيت حكايات أخيرة لم تُرْوَ في الجائحة.

كورونا جائحة أيضا في الفقد

في قوص بقنا، تنتظر الأسرة المولودة الجديدة، لتضاف لسجل العائلة، وتشيع الابتسامة محل كآبة، تسببت فيها الجائحة للعالم، أن يواجهوها باسم "جميلة" ليصبح العام باسم الطفلة لا باسم الجائحة، وفي ظل ذلك وبينما يستعدون لرواية حكاية جديدة في عمر العائلة، حتى اكتشفوا إصابة الأخ الأصغر العريس، الذي لم يكمل شيئًا وينتظر ابنته الأولى.. أصابته الجائحة.

 

تقول شيماء التي أصبحت من الناجين من الجائحة، بعد فقدانها 3 من أشقائها، إن الأسرة لم تكد تصدق، عمرو الذي لم يكن يشتكي من شيء أصبح في نطاق الوفيات بدون حتى أن يروي لابنته المقبلة للعالم كيف انتظرها كل ذلك، أسبوع واحد فقط بعدها مرض الشقيق الأكبر عمرو، ومعه كالعادة شقيقه الذي كان بمثابة صاحب "أمجد"، لم نكن نعرف ماذا حدث الأسرة التي تملأ الأرض أصبحت مهددة بحكم كورونا.

 

 

كان كل ما يشغل شيماء شقيقتهم ضمن 5 أفراد في العائلة أن لا يصيبها الحزن مرة أخرى، لأيمن 3 أبناء، وكذا أمجد ونحن ثلاثة غيرهم، لكن ما أن تحولوا للمستشفى حتى ساءت الظروف الصحية لكليهما، أمجد انتقل للمستشفى في الأقصر، بينما ساءت حالة أيمن أكثر، وبينما تحاول الأسرة أن تصل للمستشفى بشقيقهم الأكبر لفظ أنفاسه الأخيرة.

بين هذا وذلك تشير شيماء إلى أن اتصالًا هاتفيًّا جاءهم بأن أمجد هو الآخر قد توفي متأثرًا بكورونا، لتفقد الأسرة 3 أشقاء مرة واحدة بكورونا، أكثر ما أبكى شيماء أنها لم تتمكن من وداعهم بالشكل الذي يليق بكونهم أشقاءها: "مالفرق بينهم وبين الغريب إذا لم أكن أستطيع احتضانهم كوداع أخير، أن يكون للطفلة المقبلة واسمها جميلة حكاية أخيرة تمثل شكل والدها وأعمامها قبل الوفاة.. لكن حكايتنا هي الجائحة"

 

قصاصة غير قابلة للحرق

في طنطا ولدت قصة حب مغايرة، الطبيب الذي يرى في أخرى ملجأ ربما أخير لحياته، كونها أكبر منه بـ4 سنوات لم يجعله يتراجع، متخذًا من مقولة أستاذهما معًا أحمد خالد توفيق رمزًا لحياتهما: "سأحبها حتى تحترق النجوم"، لم تحترق النجوم للدكتور وائل الطبيب في مدينة طنطا بالغربية، لكن توفيت رفيقة دربه الدكتورة رغدة بينما كان هو معزولًا بسبب إصابته بكورونا هو الآخر، ما أصعب أن لا ينظر الإنسان لعين حبيبه في لحظاته الأخيرة.

 

 

 

 

 

يقول وائل إن رغدة أكبر منه بـ4 سنوات، يمكن أن تعرف لماذا أحببتها من قصة وفاتها، حيث كانت حاملًا في الشهر الثامن، والجائحة منتشرة أخبارها في الأركان، ومع شقاها من ألم الحمل، خوفها على نقل الإصابة في ظل كونها طبيبة ولادة، كانت المواجهة قرارها، ماذا يمكن أن يصيب الشخص أكثر من أن لا يكون لديه قصته الخاصة التي يرويها في الفترات التي لن تتكرر مرة أخرى، لكن الجائحة كانت أكبر.. أصابتني أولًا ثم أصابتها وبدأت الحكاية الأخيرة.

 

 

 

 

 

قصاصات غير قابلة للحرق تخلد قصة حب وائل ورغدة، كان شاهدًا عليها أحمد خالد توفيق في صباهم، ثم بقيت منها طفلة صغيرة تمثل الأمل في رواية قصة بطولة لأم واجهت الصعاب خلال فترة حملها ولم تتحصل على إجازة رغم أحقيتها، ومراثي يدونها الدكتور وائل كتب في إحداها: "هان الود، أهان ودي عليك يا رغدتي، أهان عليك أن تأخذي جزءًا كبيرًا من روحي معك وتتركي لي جزءًا صغيرًا أتنفس به بالكاد، أهان عليك أن تتركيني وحيدًا وتذريني فردًا، أهان عليك أن تذهبي إلى لحدك وأن لا تعودي معي، أهان عليك أن تهون صحتي ويضعف عضدي بعد ما غادرتِ، فلم يبق لي وزير من أهلي من بعدك يشدد أزري وأشركه في كل أمري".

 

 

 

"لقد ملت حوائط المنزل من حديثي إليها جماد لم يعد يتحمل حديثي إليك فكيف بالبشر، أهان عليك أن تتركيني شبحا في جسد واهن، أهانت عليك عيوني، وهان دمعي وكل جفوني، لقد فرغ الدمع يا رغدتي فلم أعدي ابكي بدموع، أهان عليك قصصنا و حكايانا التي لم تكن تنتهي إلا بسقوط أحدنا فريسة لسلطان النوم عند الشروق، أهان عليك ان أقرأ وردي و دعائي وحيدا، أهان عليك ان أدعو دون أن اسمع صوت تأمينك خلفي،أهان عليك أن أموت وحيدا من دونك، أهان عليك أن أموت مرة كل ثانية من دونك، أهان عليك أن أموت ولا تغسلينني. أهان عليك أن لا تحملي كفني وتنزليني لحدي، أهان عليك أن أرثيك ولا ترثيني، أتراني هنت عليك يا رغدتي يا ملاكي. اتراني هنت، اني أراني وهنت. في القلب من في القلب إلا أنت".

 

 

اسمه البطل.. سيد نادي يموت فداءً لزميلته في العزل

في يوليو من العام الماضي 2020، حيث اشتدت الموجة الأولى في ذروتها لتنال أرواح عشرات الشهداء متأثرين بإصابتهم بكورونا في هذه الفترة، كان بطلًا يواجه في مستشفى سمالوط للعزل الصحي وهو الدكتور سيد نادي، تقول زوجته الدكتورة صفاء إن وفاته كانت غريبة للجميع، حيث دخلت للعناية مريض بعمر الـ72 عامًا وفي حاجة لتنفس عاجل، ليتصادف وجود طبيبة زميلة حامل في العزل، ليقرر أن يقدم الخدمة الطبية مكانها.

 

 

 

كان نفسي يكمل في حياتي شخص زيه".. بتماسك شديد تروي الطبيبة صفاء زوجة نادي الموقف المؤثر، حيث أصيب بعد الحادث بأيام بسيطة، وظل في العزل الصحي أسبوعين بينما اشتدت عليه الأعراض، ليحاولوا الحصول على بلازما دم إلا أن الإجراءات تأخرت بشكل أدى عدم حصوله عليها سوى في آخر ثلاثة أيام.. كان الوقت انقضى، ولم نتمكن من وداعه في النهاية.. توفى".

اترك تعليق

التعليقات

لا توجد تعليقات

تسجيل الدخول

فيديو

المزيد

استطلاع الرأى

الوزارة